تعمل مؤسسة دبي العطاء، بالشراكة مع لجنة الإنقاذ الدولية، في منطقتي البقاع وعكّار في لبنان لمساعدة 4,300 طفل سوري لاجئ مثل "مها" وشقيقها "عبد العزيز" اللذين يواجهان صعوبة في التأقلم مع نظام التعليم اللبناني وخصوصًا مع مواد القراءة والحساب واللغة العربية واللغة الأجنبية الثانية (سواء الفرنسية أو الإنجليزية).
لم تحظ "مها" بفرصة الذهاب للمدرسة في الرقّة بسوريا؛ ففي الوقت الذي كانت تجهّز فيه نفسها لدخول الصف الأول، كان مسلّحو داعش قد اجتاحوا المدينة وألغوا جميع الصفوف المدرسية، فبقيت هي وشقيقها عبد العزيز البالغ من العمر 10 سنوات خارج المدرسة لمدة عامين بسبب الحرب.
رفضت فداء أن ترسل طفليها إلى مدرسة خاضعة لحكم داعش؛ حيث كان الطلاب يتعرّضون لمنهاج وحشي وقاسٍ تضمن أوصافًا لعمليات إطلاق النار وقطع الرؤوس. أرادت الأم أن تهرب، لكن المدينة كانت تحت الحصار ولم يكن يُسمح لأحد بالخروج.
تسترجع فداء ذكريات تلك الأيام، قائلةً: "كانوا يخافون من أصوات إطلاق النار والتفجيرات. لم أسمح لهما بمغادرة المنزل على الإطلاق، حتى خيم الاكتئاب والحزن عليهما. إلّا أن آخر ما كنت أريده هو أن يشهدوا ما يحدث في الخارج، لكني كنت أطمئنهما باستمرار بأن الأمور ستكون على ما يرام وأن كل هذا سينتهي قريبًا."
مع تفاقم الوضع، أصبحت الحياة تحت حكم داعش لا تُطاق، فقرّرت فداء محاولة الهرب مع طفليها الصغيرين إلى لبنان حيث كان زوجها يعمل في ذلك الوقت هناك. غير أن الإعدام كان مصير الأشخاص الذين يتم الإمساك بهم عند محاولتهم الفرار، لذلك لم تأبه فداء بتوضيب إلا الأشياء الأساسية كالطعام والماء والحفاضات لطفلها الرضيع. وعند نقاط التفتيش، كذبت فداء وأخبرت المُسلحين بأنها في طريقها لحضور حفل زفاف. فيما استغرقت رحلة وصولها إلى دمشق سبعة أيام سيرًا على الأقدام.
تقول فداء: "نفد منّا الطعام والماء، وكان الأطفال يتضورون جوعًا بالإضافة إلى شدة الإرهاق، لكني أخبرتهم أنّ علينا مواصلة الرحلة، وسوف نلتقي بوالدكم ونسجلكم في المدرسة."
وبعد وصولها إلى دمشق، أخذت الأم وأولادها استراحة لبضعة أيام، ثم استقلت الحافلة إلى الحدود اللبنانية وقطعت بقية الطريق مشيًا على الأقدام عبر جبال وادي البقاع. استغرقت رحلة فداء وأولادها للسفر من الرقة إلى لبنان 15 يومًا.
تقول فداء: "لا يمكنني أن أخبرك كيف نجونا، لكننا نجحنا وسأظل ممتنة لذلك".
وفت فداء بوعدها لأولادها وسجّلتهم في الفترة الدراسية المسائية التي يعتمدها نظام المدارس الحكومية اللبنانية. يُوفّر النظام هذه الفترة إلى آلاف الطلبة السوريين لكي يتعلّموا مواد اللغة العربية والإنجليزية والحساب والعلوم والمجتمع المدني والجغرافيا.
بيد أن فكرة العودة للمدرسة كانت مرعبة بالنسبة للأطفال كونها مسكونة بالذكريات العصيبة التي شهدوها في وطنهم. "كانوا يخشون من أن يأتي أحدهم ويأخذ المدرسة منهم مرة أخرى، كانوا يخافون من أن تتعرّض للقصف مجددًا."
وبعد محاولات إقناع مطوّلة، تم تسجيل "مها" و"عبد العزيز" في المدرسة لكنهما عانا من هذا الهاجس لعدة أشهر؛ فلم تعرف "مها" كيف تقرأ أو تكتب، وتعرّض "عبد العزيز" للتنمر والمضايقة من زملائه. لكن بعد عام واحد فقط، حققت "مها" و"عبد العزيز" تحولًا مذهلًا ونجحا في التخرّج وكان أسميهما ضمن أسماء الطلبة الأوائل.
وقد ساهمت حصص الدعم التعويضي التي قدمتها لجنة الإنقاذ الدولية بتمويلِ من مؤسسة دبي العطاء إسهامًا مباشرًا في هذا التحوّل؛ إذ ساعدت في تمكين الأطفال من النجاح في المدارس الحكومية اللبنانية. بالنسبة لمها، ساعدها البرنامج التعويضي في تحسين مهاراتها في القراءة والكتابة ومنحها شعورًا بالثقة. أما عبد العزيز، فبدأ يُحصّل درجات عالية في مادتي الحساب واللغة الإنجليزية وتمكّن من تحسين مهاراته الاجتماعية مع زملائه، وبات يعتبره معلموه أحد أسرع التلاميذ تعلّمًا في الصف.
تقول مهما: "أحب القراءة بصوت مرتفع وكتابة الجمل. كما أني أساعد زملائي في الكتابة."
ويضيف عبد العزيز: "لقد استغرق الأمر بعض الوقت لكني نجحت بتكوين صداقات جديدة في النهاية. عندي صديق لطيف جدًا وقد عرّفني على أشخاص جدد. أنا اجتماعي الآن وأخالط الجميع."
تشعر فداء بفخر واعتزاز شديدين بولديها وهي ممتنة للغاية لعودتهما إلى المدرسة.
تقول فداء: "أصبحا أكثر سعادة الآن، وأشعر بحماسهما عند عودتهما إلى المنزل فيخبراني بما تعلّماه في المدرسة".
مها وعبد العزيز في غاية السعادة والحماس اليوم كونهم من الأوائل في صفهم، وهم يستمتعون بالدراسة وتعلّم أشياء جديدة، خصوصًا مادة العلوم المفضلة لديهم.
يقول عبد العزيز: "أنا واثق بأني سأكون إنسان ناجح. أريد أن أكون شخصًا مهمًا، كمهندس مدني مثلًا."
وتضيف مها: "أريد أن أصبح طبيبة أو معلمة لغة عربية."
*حُذف اسم العائلة بناءً على طلب الأسرة.
بفضل برنامج الدعم التعويضي، يحظى أطفالٌ مثل مها وعبد العزيز بفرصة اكتساب المهارات الأساسية التي يحتاجون إليها لرسم معالم مستقبلهم وتحقيق أحلامهم.
*حُذف اسم العائلة بناءً على طلب الأسرة.
لمحة عامة عن البرنامج:
يأتي هذا البرنامج في إطار استراتيجية دبي العطاء للتعليم في حالات الطوارئ التي تهدف إلى تحسين نتائج 4,300 طفل سوري لاجئ تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 16 سنة في مواد القراءة والحساب والمهارات الاجتماعية العاطفية. كما يسعى البرنامج إلى تعزيز قدرات 50 معلمًا ومعلمة بالتعليم في الصف لأطفال بحاجة للتعافي، وتحسين مشاركة الأهالي في حماية الأطفال ومسيرتهم التعليمية.
التعليم في حالات الطوارئ
على الرغم من العدد المتزايد من الأطفال المتأثرين من النزاعات والكوارث الطبيعية، تُشير الإحصاءات إلى أن %2 فقط من إجمالي المساعدات الإنسانية يٌنفق على التعليم. وهذا ما يجعل احتياجات الأطفال الذين يعيشون في الدول الهشة أولوية ُملحة لدبي العطاء.
في يوليو 2015، وخلال قمة أوسلو حول التعليم من أجل التنمية، سلطت دبي العطاء الضوء على الحاجة إلى التركيز بشكل أكبر على مختلف الدول الهشة والمتأثرة بالنزاعات. ثم أعلنت المؤسسة الإنسانية العالمية التي تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها، في سبتمبر 2015 على هامش الأسبوع الـ 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أنها ستدعم التعليم في حالات الطوارئ من أجل تلبية الحاجة الماسة لتوفير التعليم السليم للأطفال المتضررين من الأزمات.
وأعقب ذلك إعلان في مايو 2016 في القمة العالمية للعمل الإنساني في اسطنبول، حيث التزمت دبي العطاء بزيادة حصة برامج التعليم في حالات الطوارئ إلى 33% من محفظتها المالية على مدى العامين المقبلين، وستخصص 10% من إجمالي تمويل التعليم في حالات الطوارئ في البحوث والتقييمات. وخلال مؤتمر القمة أيضا، تم اختيار دبي العطاء كعضو في الفريق التوجيهي رفيع المستوى الجديد لصندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر". كعضو في الفريق، ستساهم دبي العطاء في جمع المزيد من التبرعات وتحفيز المناهج الجديدة للتمويل والابتكار من أجل توفير التعليم في حالات الطوارئ والأزمات الممتدة. وبالإضافة إلى ذلك، تمثل دبي العطاء جميع المؤسسات الانسانية الخاصة في الفريق التوجيهي رفيع المستوى للصندوق. التعليم لا يمكن أن ينتظر هو أول صندوق عالمي يضع التعليم أولوية في العمل الإنساني.
في سبتمبر 2016، أعلنت دبي العطاء خلال أسبوع انعقاد الدورة الـ 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عن تخصيصها غلاف مالي جديد موجه للبحث يُعرف بـ "الدليل للتعليم في حالات الطوارئ" (Evidence for Education in Emergencies)، بهدف تقديم أدلة أكثر وأفضل لإبلاغ صنّاع القرار وواضعي السياسات حول ما يصلح في مجال البرامج بالاضافة الى النماذج التعليمية في حالات الطوارئ التي من شأنها أن يكون لها الاثر الأكبر.
في مارس 2017، تم اختيار دبي العطاء كعضو في اللجنة التوجيهية في الشبكة العالمية لوكالات التعليم في حالات الطوارئ. وباعتبارها عضواً في اللجنة التوجيهية، فإن دبي العطاء قادرة على التأثير على التوجّه الاستراتيجي لأحد أهم منصّات المعرفة والموارد في مجال التعليم في حالات الطوارئ. وتهدف الشبكة المشتركة، التي تضم 13,000 عضواً، إلى جمع الأطراف الفاعلة من مختلف المجالات لتعزيز الحوار وإحداث تغيير إيجابي في سياسة وممارسة التعليم في حالات الطوارئ، وإحراز تقدم في البحوث لجمع الأدلة، ودعم إقامة شراكات لمواجهة التحديات المشتركة في هذا القطاع والعمل على إيجاد حلول مشتركة.