إن الشباب هم أغلى ما يمكن لأمة أن تمتلك، بل هم أعظم مواردها والاستثمار الأمثل الذي يمكن أن تُطور به مستقبلها. يوجد اليوم حول العالم حوالي 1.2 مليار شاب يشكلون 16% من تعداد سكان العالم وتتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً. إن هؤلاء الشباب لديهم إمكانات هائلة تؤهلهم لقيادة النمو الاجتماعي والاقتصادي ودفع عجلة التقدم وتسريعه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومع ذلك، لا يزال من الضروري إعطاء الأولوية لتنمية الشباب ضمن مخططات إستراتيجيات التحويل العالمية. حيث يمثل تسخير دور الشباب للإرتقاء بمجتمعاتنا من أجل مستقبل مزدهر ومستدام فرصة لا زالت ضائعة.
تبدأ الاستفادة من قدرات الشباب في دفع عجلة التقدم بالتقييم الدقيق للوضع الراهن للنظام البيئي للتعليم والمهارات. لأكثر من 100 عام، تلقى أطفالنا وشبابنا علومهم الدراسية وفقاً لنظام تعليمي لم يشهد سوى تغيراً طفيفاً مع مرور الزمن. ففي الوقت الذي شهدت صناعات أخرى تطوراً وتقدماً ملحوظاً في مواجهة التهديدات والأزمات والصراعات العالمية، ظل نظام التعليم من دون تغيير إلى حد كبير. وهذا على الرغم من الحاجة الملحة إلى تزويد الأطفال والشباب بالمعرفة والمهارات والقيم والخبرات المناسبة التي يحتاجون إليها للتغلب على التحديات التي تتزامن مع هذه المرحلة المضطربة. إضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن الشباب لا يمكنهم الحصول على فرص تعلم المهارات التي يحتاجون إليها لمواجهة تحديات سوق العمل الذي يشهد تطوراً سريعاً، سواء كان ذلك متعلقاً بانتقالنا إلى اقتصادات أكثر اخضراراً أو التعامل مع التهديدات الواقعية التي تفرضها أدوات الذكاء الاصطناعي.
لذلك أصبح تحويل أنظمتنا التعليمية أمراً ملحاً لم يعد بالإمكان التغاضي عنه. ولإحداث تحويل حقيقي في التعليم وتطوير المهارات، نحتاج إلى تغيير طريقة تفكيرنا تماماً، وما نفعله، وكيف نتصرف. الغرض من التعليم هو تعليم الشباب القيم التي تجعلنا بشراً وتمكنهم من استخدام هذه القيم لجعل العالم أفضل للأجيال القادمة.
إن إعداد أطفالنا وشبابنا ليصبحوا مواطنين مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بقيمهم الإنسانية، والذين يهتمون بصدق بتحدياتنا العالمية، والذين يلتزمون بشدة باتخاذ الإجراءات والحفاظ على مستقبل البشرية، ليست رؤية غير واقعية. بل هو واقع يمكن تحقيقه إذا أدركنا أن أطفالنا وشبابنا يحتاجون إلى نظام ديناميكي للتعلم واكتساب المهارات لا يقتصر على الفصول الدراسية، ولا يتشكل من قبل الأطراف الفاعلة التربوية وحدهم. نحن بحاجة إلى تضافر جهود المجتمع بأسره لدفع زخم هذا الجهد والمساهمة في تحويل أنظمتنا التعليمية بطرق تجعلها مناسبة أكثر لواقعنا الحالي. يتطلب هذا النظام الجديد مشاركة الأطراف الفاعلة عبر القطاعات - من التعليم إلى الحكومات، ومن القطاع الخاص إلى صانعي السياسات، ومن المبتكرين إلى أفراد المجتمع. فعلى سبيل المثال، يحتاج القطاع الخاص إلى أن يكون أحد أقرب الشركاء لقطاع التعليم وأن يؤدي دوراً رائداً في تزويد الشباب بالمهارات والتدريب، مما يضمن أن الشباب مستعدون تماماً لمتطلبات القوى العاملة المستقبلية وقادرون على الازدهار في المسارات التي يختارونها. وفي الوقت نفسه، يجب أيضاً توفير منصة للشباب لإبداء أصواتهم في الحوارات المتعلقة بالتحديات العالمية، لا سيما بالنظر إلى أن هذه التحديات سيكون لها أكبر تأثير على مستقبلهم ورفاههم.
لطالما أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة التزامها بمشاركة الشباب، حيث يستمر هذا الالتزام مع احتضان مؤتمر الأطراف COP28. ومن خلال هذا التجمع العالمي، سيتم ادراج وجهات نظر الشباب واقتراحاتهم في الحوار وصنع السياسات المتعلقة بالمناخ العالمي. وعلاوة على ذلك، يركز جدول أعمال مؤتمر الأطراف COP28 على تسريع عملية الانتقال وإصلاح التمويل المناخي، والتركيز على التكيف لحماية الأرواح البشرية وسبل العيش، وتعزيز كل ما يرتبط بذلك بشكل شامل. وضمن جدول أعمال المؤتمر، تم تخصيص يوم يتمحور حول موضوع "الشباب والأطفال والتعليم والمهارات". وسيسلط هذا اليوم الضوء على الحلول الوطنية والعالمية القابلة للتكرار، والإعلان عن التزامات السياسة والتمويل من الأطراف الفاعلة الوطنية والعالمية. ولدعم رؤية رئاسة مؤتمر الأطراف COP28، سستضيف دبي العطاء الدورة الثانية من قمة "ريوايرد" (RewirEd Summit)، حيث سيكون الشباب في صميم التحويل التعليمي للعمل المناخي.
وبناءً على ما حققناه من نجاح في نسختنا الأولى من قمة "روايرد" التي عقدت في عام 2021 في إكسبو 2020 دبي، ستسلط قمة هذا العام الضوء بشكل أكبر على أهمية دور الشباب والمهارات ومستقبل العمل في قيادة فرص اكتساب المهارات وإعادة بناء الاقتصادات والمجتمعات في نهاية المطاف. وستعرض قمة "روايرد" خلال أعمال مؤتمر الأطراف COP28 الالتزامات العالمية والوطنية والممارسات المبتكرة والحلول القابلة للتطوير لإطلاق إمكانات أنظمة التعليم المحولة وقدراتها في دفع عجلة التقدم نحو مستقبل مزدهر ومستدام للبشرية والكوكب، وبالتالي وضع التعليم في صميم إجراءات تغير المناخ والعكس صحيح.
وتزامناً مع احتفالنا باليوم الدولي للشباب، والذي يتناول هذا العام موضوع "أهمية تنمية مهارات الشباب المناسبة للإقتصاد الأخضر في تحقيق عالم مستدام"، دعونا نُذكّر بأن الاستثمار في الشباب هو استثمار في مستقبل البشرية، وأننا لن نتمكّن من تحقيق أي من أهداف التنمية المستدامة من دون التركيز على تنمية الشباب وتزويدهم بالمهارات. بالإضافة إلى ذلك، يمكننا إحراز تقدم ملحوظ عبر كل هدف من أهداف التنمية المستدامة عندما نجهز ونؤهل ونمكن شباب اليوم ليصبحوا قادة الغد.