يعد تغير المناخ أحد الأزمات الأكثر خطورة في عصرنا هذا. ولكن على الرغم من أنها مشكلة "من صنع البشرية" إلى حد كبير، فإن الحلول حتى الآن لم تعط الأولوية لدور الاستثمار في التنمية البشرية كواحدة من أقوى الاستراتيجيات لمعالجة المشكلة من جذورها، لاسيما مع فشل المفاوضات العالمية في إشراك قطاعات "البشرية" مثل التعليم الذي يعتبر جزءاً من الحل.
ما نحتاجه اليوم هو إعادة التفكير في دور التعليم في تشكيل انسان المستقبل الذي يسعى جاهداً لحماية الكوكب وإدراكه أن تصرفاته وسلوكياته اليومية إما أن تحميه أو تهدده. إن تزويد إنسان المستقبل وتمكينه بعقلية واعية للمناخ تتشكل من خلال اكتسابه للمعرفة والقيم والمهارات والخبرات المناسبة من النظام التعليمي، وتجعله قادراً على قيادة مجتمعاته ومدنه وبلدانه نحو مستقبل أخضر من خلال قراراته وحلوله.
ولسوء الحظ، فإن نظامنا التعليمي غير مهيأ حالياً لتحقيق هذه الرؤية المتمثلة في تربية جيل مستعد للمستقبل يدرك أهمية العيش في وئام مع الكوكب والمساهمة في حماية مستقبله. ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة، من الثغرات الموجودة في المناهج الدراسية التي لا توحد التعليم المناخي، أو المعلمين الذين لم يتلقوا التدريب التربوي الذي يحتاجونه لتدريس القضايا المتعلقة بالمناخ، إلى افتقار قادة التعليم إلى الموارد والتمويل التي يحتاجون إليها لإدراج المناخ في جداول أعمال التعليم. ولكن كل هذه مجرد أمثلة تنبع من قضية أكبر موجودة على مستوى السياسات والتي تبدأ بالمفهوم الخاطئ المتمثل في كون التعليم قضية منفصلة عن المناخ والتحديات العالمية الأخرى، علاوة على الافتقار إلى الإرادة السياسية للالتزام بالتعليم والاستثمار فيه من أجل تحقيق مكاسب اجتماعية واقتصادية طويلة المدى.
ولاستعادة دور التعليم باعتباره عامل التمكين الأساسي لتحقيق مستقبل مستدام ومزدهر يشكله جيل متمكن من المواطنين من خلال طموحاتهم ومراعاتهم للبشرية والكوكب، يجب تحويل التعليم في كل مرحلة من مراحل التعلم، بدءاً من الطفولة المبكرة إلى تنمية مهارات الشباب. ولا يمكن تحقيق هذا التحويل الذي يسمح للتعليم بأن يكون بمثابة محرك للتنمية البشرية إلا من خلال التعاون، حيث تشارك فيه جميع القطاعات التي تشكل النظام البيئي الشامل للتعليم بشكل استباقي في هذه العملية. ويتعين علينا أن ندرك أنه لا يمكن لأي كيان أو قطاع أن يعالج هذا التحدي العالمي بمفرده، وأن نؤكد على ضرورة تضافر الجهود العابرة للحدود.
فعلى مستوى تنمية الطفولة المبكرة، قد يعني ذلك مشاركة الأطراف الفاعلة في مجال المناخ في تصميم البرامج لتمكين الأطفال منذ سنواتهم الأولى لتطوير فهم للكوكب وأهمية حمايته. ويشكل الشباب فئة اجتماعية مهمة أخرى للعمل المناخي، حيث يمكنهم من تسخير طاقتهم وشغفهم وتصميمهم لخلق مستقبل أكثر استدامة ومرونة. وتعد مساهمتهم أساسية أيضاً لتحقيق "التحول الأخضر" ومعالجة الآثار الضارة لتغير المناخ. ولا ينبغي علينا أيضاً أن نقلل من أهمية مشاركة القطاع الخاص في العمل المناخي، إذ يساهم تغير المناخ في إعادة صياغة المشهد الوظيفي، من خلال ظهور فرص جديدة في الصناعات الخضراء والمستدامة. وتشكل مشاركة القطاع الخاص في معالجة تغير المناخ ضرورة أساسية أيضاً لدفع عجلة الابتكار، وخلق فرص العمل، والحد من الأثر البيئي للشركات والصناعات.
وعندما ندرك أن الغرض الأساسي من التعليم هو تمكين الأفراد من أن يعيشوا حياة كريمة ومنتجة، فإن الاحتمالات لا حصر لها، خاصة إذا كانوا يعيشون في مرحلة تتصدر فيها التحديات العالمية المشهد والتي تشكل أهمية بالغة للوجود الإنساني مثل المناخ. ومن هذا المنطلق، ومن خلال منصتها الرائدة "قمة ريوايرد"، تسعى دبي العطاء إلى تذكير العالم بالترابط بين التعليم وبين الأولويات والأجندات العالمية الأخرى والاستفادة من مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين كمنصة لحشد الجهود من أجل الارتقاء بتحويل التعليم باعتباره الحل الذي كنا نبحث عنه والذي علينا جميعاً تطبيقه. هدفنا هو ترجمة الأقوال إلى أفعال من خلال جمع قطاعي التعليم والمناخ معاً لمواءمة جداول الأعمال والالتزامات والتمويل، والأهم من ذلك، مشاركة وعرض وتطوير الابتكارات التي تركز على التعليم والتي يمكن أن تطلق العنان لقوة الإمكانات البشرية في المساهمة في استراتيجيات التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره.
أصبحت الحاجة الملحة لمعالجة تغير المناخ أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. إذ تؤثر هذه الأزمة العالمية على المجتمعات والاقتصادات والنظم البيئية. ولمعالجة هذه الأزمة بفعالية، يجب علينا تسخير قوة التعليم والتعاون على مستوى جميع القطاعات، حيث يقع على عاتقنا تحويل تغير المناخ من تهديد "من صنع البشرية" و"ضد الكوكب"، إلى "فرصة من أجل البشرية والكوكب".