شهد الأسبوع الماضي نهاية العام الدراسي في الإمارات، وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأعرب عن مدى فخري لكوني مواطن إماراتي يتمحور عمله اليومي حول التعليم. كما أود أن أثني على الجهود الدؤوبة للقيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الحفاظ على التعليم كأولوية عليا وهدف وطني في ظل الأزمة الصحية العالمية كوفيد-19. لقد أجبر هذا الوباء 192 دولة على إغلاق المدارس والجامعات، مما أثر على أكثر من 1.5 مليار طفل وشاب في سن الدراسة، ما يمثل حوالي 90% من الطلاب حول العالم. ولم يعد بوسع 60 مليون معلم ومعلمة كذلك العودة إلى الفصول الدراسية. وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية، احتوت قيادة الإمارات على الفور الأزمة باتخاذها لإجراءات مناسبة من خلال توجيه المؤسسات التعليمية والأكاديمية لتطبيق نهج التعلم عن بعد كبديل للتعليم في المدارس، مع الحفاظ على صحة وسلامة الطلاب والمجتمع المدرسي.
وبفضل تفاني والتزام وزارة التربية التعليم في الإمارات العربية المتحدة، تمكن 1.2 مليون طالب وطالبة في جميع أنحاء الدولة من مواصلة تعليمهم بكل سلاسة وأمان. وأثبت نموذج التعلم عن بعد الذي نفذته الوزارة أنه تجربة فعّالة ومثرية للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور. ومن خلال البنية التحتية التكنولوجية الحديثة والمرونة في تطوير حلول استباقية ومواكبة التغيرات وحالات الطوارئ، أصبحت دولة الإمارات نموذجاً تحَتذي به البلدان الأخرى حول العالم.
وكدليل على التعاون بين جهة حكومية ومؤسسة إنسانية من أجل المساهمة في رفاهية المجتمع، أطلقت وزارة التربية والتعليم بالشراكة مع دبي العطاء بنجاح حملة "التعليم دون انقطاع"، وهي حملة وطنية تهدف إلى معالجة تأثير تفشي كوفيد-19 على تعليم الأطفال والشباب في الإمارات. هذا وقد دعت الحملة المجتمع الإماراتي إلى تقديم تبرعات مالية وعينية لدعم الأطفال والشباب من الأسر المتعففة الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف اقتناء أدوات وأجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر المحمول والكمبيوتر المكتبي للانضمام إلى أقرانهم في مواصلة تعليمهم من المنزل. إنني واثق من أن هذا المثال الممتاز للتآزر قد شهدته قطاعات أخرى حيث تسعى مختلف الأطراف الفاعلة للتعاون بشكل وثيق من أجل التغلب على تأثير الوباء.
كما أننا نقدر جهود الـ 42,000 معلم ومعلمة في دولة الإمارات الذين استمروا في تقديم التعليم السليم للطلاب خلال فترة تفشي وباء كوفيد-19، وبذلك فقد انضموا إلى الأطباء والممرضين والطاقم الطبي في كونهم خط الدفاع الأول للمجتمع في هذه الأوقات الصعبة. لقد أظهروا تفانياً وعملاً فعّالاً تجاه معالجة آثار وباء كوفيد-19 على التعليم وصون الحق في التعلم المستمر لجميع الطلاب في الإمارات.
لقد جعلت الرؤية المستقبلية لقيادة دولة الإمارات نظام التعليم فيها مستداماً ومرناً، حيث واصل آلاف الطلاب مسارهم التعليمي ولم يفوّتوا يوماً واحداً من عامهم الدراسي. ومع تسارع وتيرة التغييرات من حولنا، من الضروري كدولة أن نستعد للسنوات القادمة حيث أن 2020 هو عام الاستعداد لللخمسين سنة القادمة. وعلى مدى العقود الخمسة المقبلة، نحتاج إلى إحداث تغيير والتغلب على التحديات الناشئة وتجديد الأفكار وضمان مستقبل أفضل لأجيالنا الحالية والقادمة.
لا شك في أن هذا الوباء ترك أثراً كبيراً على جميع قطاعات الاقتصاد العالمي. إن هذه الجائحة هي أولاً وقبل كل شيء أزمة صحية كبيرة؛ ومع ذلك، لم تتأثر جميع الأسر في العالم من الناحية الصحية بسبب الوباء. ولكن على عكس ذلك، فإن انقطاع التعليم أثر على حياة الأفراد في كل بيت تقريباً حول العالم.
أثبت الانتشار السريع لكوفيد-19 ضرورة تطوير حلول فورية لتقليل تأثير الوباء على التعليم، وذلك من أجل أن تكون أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم مستعدة بشكل أفضل للاستجابة للاضطرابات واسعة النطاق في المستقبل.
لم يغير هذا الوباء العالم بأسره فحسب، بل أيضاً دفع منظمات الأمم المتحدة وشبكات التمويل العالمية على الاستجابة بسرعة لحماية أهم أصول واستثمارات المستقبل، ألا وهو التعليم. وفي هذا السياق، أطلقت اليونسكو التحالف العالمي للتعليم من أجل الاستجابة لوباء كوفيد-19 لتوفير دعم سريع ومُنسق بين البلدان، مما يضمن الحد الأدنى من استمرارية العملية التعليمية وعدم التخلي عن أي طفل من دون تعليم. كما ستؤدي مبادرة جيل طليق التابعة لليونيسف والتي تهدف إلى توسيع نطاق الاتصال الرقمي وتوفير الفرص العادلة للحصول على التعلم عن بعد لجميع الأطفال والشباب في العالم، دوراً محورياً في الحد من التفاوت المتزايد الناتج عن عدم إمكانية الوصول إلى الاتصال الرقمي. ونحن في دبي العطاء محظوظون حيث تم اختيارنا للانضمام إلى هاتين المبادرتين ولعب دور مهم في تشكيل هاتين المنصتين. وبالنسبة لمؤسسة إنسانية عالمية تخصص أكثر من ثلث برامجها لحماية التعليم في السياقات المضطربة، نرى في دبي العطاء أن الاتصال الرقمي يعد أمراً أساسياً لضمان استمرارية التعلم.
ومع استمرار دولة الإمارات في لعب دور محوري لإعادة صياغة التعليم، أثني مرة أخرى على جهود قيادتنا الرشيدة وحكومتها لضمان عملية التعلم المستدام في جميع أنحاء الدولة، كما أشكر المعلمين والطلاب وأولياء الأمور لدورهم الفعال في تحقيق نتائج إيجابية حتى الآن، من خلال نظام التعلم عن بعد.