في الوقت الذي يواجه فيه العالم احتمال استمرار انتشار فيروس كورونا المستجد، فإننا نشهد تأثيراً مباشراً على الاقتصاد العالمي، حيث ألقى هذا الوضع بظلاله على بعض القطاعات مثل التصنيع والتجارة والطيران والسياحة والسفر بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية. وهناك أيضاً احتمال حدوث مزيد من التأثير على المدى الطويل، حيث أدت التدابير الرامية إلى احتواء انتشار الفيروس إلى تعطيل قطاع التعليم في بعض مناطق العالم. وحتى الثامن من مارس 2020، هناك 26 دولة عبر ثلاث قارات مختلفة أعلنت أو قامت بإغلاق جزئي للمدارس (اليونسكو). و15 دولة أغلقت المدارس على مستوى البلاد بشكل كلي، تاركةً حوالي 300 مليون طالب خارج المدرسة.
بينما تقوم الحكومات في جميع أنحاء العالم بتعبئة استجابتها في مجال الصحة العامة لمنع انتشار الفيروس، إننا في دبي العطاء نتابع عن كثب ما بوسع الحكومات حول العالم فعله من أجل وضع خطط طوارئ لمنع تعطيل الدراسة.
هذا وقد كانت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في الطليعة من خلال اتخاذ تدابير وقائية واحترازية على المستوى الوطني لضمان سلامة الطلاب من خلال إغلاق المدارس الحكومية والخاصة والجامعات والمؤسسات الأكاديمية لمدة 4 أسابيع. وفي الوقت نفسه، تعمل حكومة الإمارات عن كثب مع قادة المدارس والمعلمين من أجل البدء فوراً في التعلّم عبر الإنترنت أو التعليم عن بعد، مما يعزز استخدام التعليم الإلكتروني في قطاع التعليم العام. وفي الوضع الراهن، أنا حريص لمعرفة كيف سيوفر التعليم الإلكتروني إمكانية الحصول على التعلّم السليم المستمر، وتوفير المرونة والراحة إلى جانب تقديم محتوى التعلّم الذي يحتاجه الطلاب والمعلمون على حد سواء. كما أنني حريص على معرفة كيف سيوفر التعليم عبرالإنترنت للطلاب إمكانية الوصول إلى مختلف منصات وتطبيقات التعلّم الإلكتروني والسماح لهم بتبادل المعلومات من خلال مقاطع الفيديو والدروس الافتراضية.
ومع ذلك، فإن التغلب على هذه الأزمة ليس مسؤولية دولة أو كيان واحد. علينا حشد جميع الموارد المُتاحة لمكافحة فيروس كورونا المستجد. وفي سباق مع الزمن ضد هذا الفيروس، ينبغي أن يعمل جميع أفراد المجتمع والفاعلين، بما في ذلك الأطراف المؤثرة في مجال التعليم كجبهة واحدة، وذلك من خلال توجيه الدعم لقطاع الصحة العامة، حيث تعد المدارس والجامعات من أهم مقدمي رسائل الصحة العامة الصحيحة التي يجب اتباعها، إلى جانب دعم التعليم المنتظم للأطفال على الصعيد المحلي والعالمي. إنها اللحظة المناسبة لتظافر الجهود، ليس لمكافحة الفيروس فحسب، بل أيضاً لمواصلة توفير التعليم لأطفالنا.
وفي هذا السياق، يؤدي أولياء الأمور دوراً مهماً في مسيرة تعلم أطفالهم، ولهذا لا تزال تعتبر مشاركتهم في تعليم أطفالهم أمراً مهماً اليوم، كما كانت في السابق. وفي أية أزمة مستجدة، هناك دائماً فاعلين داخل المجتمع يلتزمون بأداء دور قيادي في مواجهة التحديات التي يواجهها المجتمع. ومع تفشي فيروس كورونا، حان الوقت لأولياء الأمور لضمان عدم توقف تعليم أطفالهم من خلال مساعدتهم على التكيّف مع التعلم عن بعد. ويجب على أولياء الأمور العمل كذلك كمدربين لأطفالهم ودعمهم طوال فترة تعلمهم. ربما تكون هذه لحظة مناسبة للآباء والأمهات لتعزيز التواصل مع أطفالهم، من خلال ممارسة ألعاب الطاولة، وجعل الأطفال يساعدون في الأعمال المنزلية، وسرد القصص التي تذكرهم بطفولتهم، وتقديم كتب جديدة لهم لترسيخ ثقافة الاستكشاف والتعلّم لديهم. وهذا ما سأفعله أنا شخصياً مع بناتي خلال الأسابيع القادمة.
وفي السياقات الإنسانية عالمياً، يتم استكشاف أنواع مختلفة من خيارات التعليم عبر الإنترنت والتعليم الرقمي على نحو متزايد كحل محتمل لتذليل العقبات أمام أزمة التعلّم، حيث يكون الأطفال في حالة نزوح، أو تغلق المدارس أو تتعرض للتدمير. وكمؤسسة إنسانية عالمية تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها تعمل من أجل توفير التعليم السليم للأطفال والشباب في البلدان النّامية، نحن ملتزمون بإيجاد طرق بديلة للأطفال والشباب المتضررين من حالات الطوارئ والأزمات الممتدة. نرى أنه لا ينبغي ترك أي شخص من دون تعليم.
وضمن جهودنا لتلبية الاحتياجات التعليمية في حالات الطوارئ، قمنا مؤخراً بإطلاق برنامجين تعليميين مبتكرين في الأردن يعتمدان على التكنولوجيا، ويهدفان إلى دعم الأطفال السوريين اللاجئين، والأطفال من المجتمعات المضيفة. ويتضمن البرنامج الأول تطبيقاً مصمَماً خصيصاً لتحسين مهارات القراءة والكتابة والحساب بين الأطفال الصغار، بينما يستخدم البرنامج الثاني منصة للتعلم عبر الإنترنت تهدف إلى توفير التدريب الأكاديمي والتعلّم للأطفال غير الملتحقين بالمدارس في المرحلة الثانوية.
علاوة على ذلك، أطلقنا برنامجاً لتدريب المعلمين أثناء الخدمة في غانا من خلال الإعتماد على البث المباشر بالصوت والصورة، حيث تم تزويد عدد من المدارس بمعدات ربط الفيديو بالطاقة الشمسية، مما يسمح للمدربين بتقديم دروس تفاعلية.
في حال إغلاق المدرسة لفترة طويلة أو غيرها من أشكال تعطيل التعليم فان استمرارية التعلّم هي حق ومسؤولية على حد سواء. ويتطور التعليم الإلكتروني ليصبح عُنصراً رئيسياً في التعليم في حالات الطوارئ، لأنه يعزز استمرارية التعليم والتعلّم، على الرغم من الظروف التي تحول دون تمكن الطلاب من الحضور إلى المدرسة. وفي الوقت الذي أطلقت فيه دولة الإمارات التعليم الإلكتروني في كافة مدارسها، أصبح لديها القدرة على أن تكون نموذجاً رائداً لبلد يقدم حلولاً مبتكرة في الوقت المناسب لحماية حق الأطفال في التعليم في الأوقات الصعبة. إنني على ثقة من أنه مع تطور تجربة التعليم الإلكتروني في الإمارات، بإمكاننا أن نمنح الأمل والحافز لبدان أخرى تسعى لإيجاد حلولاً قابلة للتطبيق في هذا المجال.
في الوقت الذي يسعى فيه المجتمع الدولي جاهداً لإيجاد حلولاً سريعة لهذه الأزمة، يجب أن نستمر في العمل جنباً إلى جنب ليكون كافة الأطفال والشباب في جميع أنحاء العالم آمنين، وتبديد المخاوف المتعلقة برفاهيتهم الاجتماعية والعاطفية، وأن يتمكن الأطفال في نهاية المطاف من الحصول على التعليم السليم. ومع ذلك، يجب أن نتذكر دائماً أن التعليم هو مسيرة اجتماعية، حيث يلتقي المعلمون والطلاب في الحياة الواقعية ويتبادلون المعرفة. ويمكن للتعلم الإلكتروني أن يدعم هذا، لكن لا يحل محله إلى الأبد. ونأمل أن يلتحق جميع الأطفال مجدداً بأمان بفصولهم الدراسية في المستقبل القريب، وأن يستمر التعلّم دون انقطاع.